للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخضوع [٢٠١/ب] والخشوع، والخوف والرجاء= ما لا يحصل بدونها. فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلِّها، وعمودُها الذي قيامها به. ولقد جمع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصول أعمال القلب وفروعها كلَّها في كلمة واحدة، وهي قوله في الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه». فتأمَّلْ كلَّ مقام من مقامات الدين، وكلَّ عمل من أعمال القلوب، كيف تجد هذا أصلَه ومنبعَه؟

والمقصود: أن العبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان، ليثبت قلبه ولا يزيغ؛ وعند الوساوس والخطرات القادحة في أعمال الإيمان، لئلا تقوى وتصير همومًا وغمومًا وإراداتٍ ينقص بها إيمانه؛ وعند أسباب المخاوف على اختلافها، ليثبت قلبُه ويسكن جأشُه؛ وعند أسباب الفرح، لئلا يطمَح به مركبُه (١)، فيجاوزَ الحدَّ الذي لا يُعبَر، فينقلب ترَحًا وحزنًا ــ وكم ممن أنعم الله عليه بما يُفرِحه، فجمَح به مركبُ الفرح، وتجاوزَ الحدَّ، فانقلب ترحًا عاجلًا! ولو أُعِين بسكينة تعدِل فرحَه لأريد به الخير وبالله التوفيق ــ وعند هجوم الأسباب المؤلمة على اختلافها لظاهره وباطنه (٢)، فما أحوجَه إلى السكينة حينئذ! وما أنفعها له، وأجداها عليه، وأحسن عاقبتها! والسكينة في هذه المواطن علامة على الظفر، وحصول المحبوب، واندفاع المكروه؛ وفقدُها علامة على ضدِّ ذلك، لا يخطئ هذا ولا هذا. والله المستعان.

وأما قوله: «أن يكون قويًّا على ما هو فيه، وعلى معرفته»، أي مستظهرًا مضطلعًا بالعلم، متمكِّنًا منه، غير ضعيف فيه. فإنه إذا كان ضعيفًا قليلَ


(١) ك، ب: «مركوبه».
(٢) في النسخ المطبوعة: «الظاهرة والباطنة».