للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفاوتت (١) الدرجات في الدنيا والآخرة. فكم بين مريدٍ بالفتوى وجهَ الله ورضاه والقربَ منه وما عنده، ومريدٍ بها وجهَ المخلوق ورجاءَ منفعته وما يناله منه تحقيقًا (٢) أو طمعًا! فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة، وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب. هذا يفتي لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، ورسوله هو المطاع. وهذا يفتي ليكون قوله هو المسموع، وهو المشار إليه، وجاهه هو القائم سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما، فالله المستعان.

وقد جرت عادة الله التي لا تبدَّل وسنته التي لا تحوَّل: أن يُلبِس المخلصَ، من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه؛ ويُلبِس المرائي اللابسَ ثوبَي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به. فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء.

وأما قوله: «أن يكون له حلم ووقار وسكينة»، فليس صاحبُ العلم والفتيا إلى شيء أحوجَ منه إلى الحلم والسكينة والوقار، فإنها كسوةُ علمه وجماله، وإذا فقدها كان علمُه كالبدن العاري من اللباس.

قال (٣) بعض السلف: ما قُرن شيءٌ إلى شيء أحسنُ من علم إلى حلم (٤).


(١) في النسخ المطبوعة: «تتفاوت».
(٢) في النسخ المطبوعة: «تخويفًا»، ويبدو أنه تحريف من بعض النساخ أو الناشرين.
(٣) في النسخ المطبوعة: «وقال».
(٤) رواه أبو خيثمة في «العلم» (٨١)، والدارمي (٥٩٦)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٤٨٨) عن عطاء بلفظ: «ما أوى شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم»، وإسناده صحيح. وروي من قول سليمان بن موسى عند ابن أبي شيبة (٢٦١٣٨).