للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنصور للفتيا ذكرتُ هذه المسألة، فقال لي رجل: فأنتَ هو ذا تحفظ (١) هذا القدر حتى تفتي الناس؟ فقلتُ له: عافاك الله، إنْ كنتُ أنا (٢) لا أحفظ هذا المقدار فإنِّي هو ذا أفتي الناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه.

قال القاضي أبو يعلى (٣): "وظاهر هذا الكلام من أحمد أنه لا يكون من أهل الاجتهاد إذا لم يحفظ من الحديث هذا القدر الكثير الذي ذكره، وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتوى". ثم ذكر حكاية أبي إسحاق لمَّا جلس في جامع المنصور، قال: "وليس هذا الكلام من أبي إسحاق مما يقتضي أنه كان يقلِّد أحمد فيما يفتي به، لأنه قد نصَّ في بعض "تعاليقه" على كتاب "العلل" على الدلالة على منع الفتوى بغير علم، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦].

قلتُ: هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأصحاب أحمد:

أحدها: أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد، لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام. ولا خلاف بين الناس أنَّ التقليد ليس بعلم، وأنَّ المقلِّد لا يطلَق عليه اسمُ عالم. وهذا قول أكثر (٤) الأصحاب وقول جمهور الشافعية.


(١) في النسخ المطبوعة: "لا تحفظ". وفي "العدَّة" و"طبقات الحنابلة" (٣/ ٢٩٣) كما أثبتنا من جميع النسخ.
(٢) "أنا" ساقط من النسخ المطبوعة.
(٣) في "العدَّة" (٥/ ١٥٩٧ - ١٥٩٨).
(٤) "أكثر" ساقط من ت.