للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خداعَ فيها ولا تحريمَ لم يصح أن يلحق بها صورة عقد لم تُقصد حقيقته، وإنما قُصِد التوصل به إلى استحلال ما حرمه الله، والله الموفق.

وإنما أطلنا الكلام على هذه الحجة لأنها عمدة أرباب الحيل من السنة، كما عمدتهم من الكتاب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}.

فصل

فهذا تمام الكلام على المقام الأول، وهو عدم دلالة الحديث على الحيل الربوية بوجه من الوجوه.

وأما المقام الثاني ــ وهو دلالته على تحريمها وفسادها ــ فلأنه - صلى الله عليه وسلم - نهاه أن يشتري الصاع بالصاعين، ومن المعلوم أن الصفة التي في الحيل مقصودة يرتفع سعره لأجلها، والعاقل لا يُخرج صاعين ويأخذ صاعًا إلا لتميُّز ما يأخذه بصفة، أو لغرض له في المأخوذ ليس في المبذول، والشارع حكيم لا يمنع المكلَّفَ مما هو مصلحة له ويحتاج إليه إلا لتضمنه أو لاستلزامه (١) مفسدة أرجح من تلك المصلحة. وقد خفيت هذه المفسدة على كثير من الناس حتى قال بعض المتأخرين: لا يتبين لي ما وجه تحريم ربا الفضل والحكمة فيه، وقد تقدَّم أن هذا من أعظم حكمة الشريعة ومراعاة مصالح الخلق، وأن الربا نوعان: ربا نسيئة، وتحريمه تحريم المقاصد؛ وربا فضلٍ، وتحريمه تحريم الذرائع والوسائل؛ فإن النفوس متى ذاقت الربح فيه عاجلًا تسوَّرت منه إلى الربح الآجل، فسدت عليها الذريعة وحمي جانب الحمى، وأيُّ حكمة وحكمٍ أحسنُ من ذلك؟


(١) ز: «استلزامه».