للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين الواجب والواقع. فلكلِّ زمان حكمٌ، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. وإذا عمَّ الفسوق وغلب على أهل الأرض، فلو مُنِعت (١) إمامةُ الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم لعُطِّلت الأحكام، وفسد نظام الخلق، وبطلت أكثر الحقوق. ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار. وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل، فليس إلا الاصطبار، والقيام بأضعف مراتب الإنكار.

[٢٠٧/أ] الفائدة السادسة والثلاثون: لا فرق بين القاضي وغيره في جواز الإفتاء بما تجوز الفتيا (٢) به، ووجوبها إذا تعيَّنت. ولم يزل أمر السلف والخلف على هذا، فإن منصب الفتيا داخل في ضمن منصب القضاء عند الجمهور، والذين لا يجوِّزون قضاء الجاهل. فالقاضي مفتٍ، ومثبت، ومنفِّذ لما أفتى به.

وذهب بعض الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد والشافعي إلى أنه يُكره للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به، دون الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها (٣).

واحتجَّ أرباب هذا القول بأن فتياه تصير كالحكم منه على الخصم، ولا يمكن نقضُه وقت المحاكمة. قالوا: ولأنه قد يتغيَّر اجتهاده وقت الحكومة، أو تظهر له قرائن لم تظهر له عند الإفتاء؛ فإن أصرَّ على فتياه والحكم


(١) ب: «اتبعت»، وفي المطبوع: «امتنعت»، والصواب ما أثبت من ز، وكذا في الطبعات القديمة.
(٢) ب: «يجوز الإفتاء»، وكذا في المطبوع. وفي الطبعات السابقة كما أثبت من ز، ك.
(٣) انظر: «أدب المفتي» (ص ١٠٨) و «صفة الفتوى» (٢٩).