للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعمة لا تحصى! فكيف إذا كان فيه طُهْرَة للمقتول، وحياةٌ للنوع الإنساني، وتشفٍّ للمظلوم، وعدلٌ بين القاتل والمقتول. فسبحان من تنزهت شريعته عن خلاف ما شرعها عليه من اقتراح العقول الفاسدة والآراء الضالَّة الجائرة!

وأما قوله: «لو كان ذلك مستحسنًا في العقول لاستُحْسِنَ في تحريق ثوبه وتخريب داره وذبح حيوانه مقابلتُه (١) بمثله».

فالجواب عن هذا أن مفسدة تلك الجنايات تندفع بتغريمه نظيرَ ما أتلفه عليه، فإن المثل يسُدُّ مسَدَّ المثل من كلِّ وجه، فتصير المقابلة مفسدة محضة؛ كما ليس له أن يقتل ابنه أو غلامه مقابلةً لقتله هو ابنه أو غلامه، فإن هذا شرعُ الظالمين المعتدين الذي تُنزَّه عنه شريعةُ أحكم الحاكمين؛ على أن للمقابلة في إتلاف المال بمثل فعله مساغًا في الاجتهاد، وقد ذهب إليه بعضُ أهلِ العلم كما تقدَّم الإشارة إليه في عقوبة الكفار بإفساد أموالهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا، أو كان يغيظهم. وهذا بخلاف قتلِ عبده إذا قتَل عبدَه أو عقرِ فرسِه إذا عقَر فرسَه، فإن ذلك ظلم لغير مستحِقٍّ. ولكن السنَّة اقتضت التضمين بالمثل، لا إتلاف النظير، كما غرَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إحدى زوجتيه التي كسرت إناء صاحبتها إناءً بدلَه، وقال: «إناء بإناء» (٢). ولا ريب أن هذا أقلُّ فسادًا، وأصلح للجهتين (٣)؛ [٣١٢/ب] لأن المتلَفَ مالُه إذا أخذ نظيره صار كمن لم يفُت عليه شيء، وانتفع بما أخذه عوضَ ماله؛ فإذا مكَّنَّاه من إتلافه


(١) في المطبوع: «بمقابلته»، وهو خطأ.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) ح، ف: «للمجتهدين»، تحريف.