للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن للزاني حالتين. إحداهما: أن يكون محصنًا قد [٣١٤/ب] تزوَّج، فعلم ما يقع به العفافُ (١) عن الفروج المحرَّمة، واستغنى به عنها، وأحرز نفسه عن التعرُّض لحدِّ الزنا= فزال عذرُه من جميع الوجوه في تخطِّي ذلك إلى مواقعة الحرام.

والثانية: أن يكون بِكرًا، لم يعلم ما علِمه المحصنُ، ولا عمِل ما عَمِله؛ فحصل له من العذر بعضُ ما أوجب له التخفيف، فحُقِن دمُه، وزُجِرَ بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجَلْد ردعًا عن المعاودة للاستمتاع بالحرام، وبعثًا له على القَنَعِ بما رزقه الله من الحلال. وهذا في غاية الحكمة والمصلحة، جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه. وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعدوان؟

ثم إنَّ قطعَ فرج الزاني فيه من تعطيلِ النسل وقطعِه عكسَ مقصودِ الربِّ تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم. وفيه من المفاسد أضعافُ ما يتوهَّم فيه من مصلحة الزجر. وفيه إخلاءُ جميع البدن من العقوبة، وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه، فكان من العدل أن تعُمَّه العقوبة. ثم إنه غير متصوَّر في حقِّ المرأة، وكلاهما زانٍ؛ فلا بد أن يستويا في العقوبة. فكان شرعُ الله سبحانه أكملَ من اقتراح المقترحين (٢).

وتأمَّلْ كيف جاء إتلافُ النفوس في مقابلة أكبر الكبائر، وأعظمها ضررًا، وأشدِّها فسادًا للعالم؛ وهي الكفر الأصلي والطارئ، والقتل وزنا المحصن. وإذا تأمَّلَ العاقلُ فسادَ الوجود رآه من هذه الجهات [٣١٥/أ]


(١) في النسخ المطبوعة: «من العفاف»، وزيادة «من» هنا خطأ مفسد للمعنى.
(٢) وانظر: «الداء والدواء» (ص ٢٦٠).