للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البضاعة غيرَ مضطلع به أحجَم عن الحقِّ في موضع ينبغي فيه الإقدام، لقلة علمه بمواضع الإقدام والإحجام. فهو يُقدِم في غير موضعه، ويُحجِم في غير موضعه، ولا بصيرة له بالحق، ولا قوة له على تنفيذه. فالمفتي محتاج إلى قوة في العلم، وقوة في التنفيذ، فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له.

وأما قوله: «الرابعة: الكفاية وإلا مضَغَه الناس»، فإنه إذا لم يكن له كفاية احتاج إلى الناس، وإلى الأخذ مما في أيديهم؛ فلا يأكل منهم شيئًا إلا أكلوا من لحمه وعرضه أضعافَه. وقد كان لسفيان الثوري شيء من مال، وكان لا يتهوَّر (١) في بذله، ويقول: لولا ذلك لتمندَلَ بنا هؤلاء (٢). فالعالم إذا مُنِح غنًى فقد أُعِينَ على تنفيذ علمه، وإذا أُحْوِجَ (٣) إلى الناس فقد مات علمه وهو ينظر.

وأما قوله: «الخامسة (٤): معرفة الناس» فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم. فإن لم يكن فقيهًا فيه، فقيهًا في الأمر والنهي، ثم يطبِّقْ أحدَهما على الآخر= وإلا (٥) كان ما يُفسِد أكثرَ مما يُصلِح، فإنه إذا لم


(١) ك، ب: «ينهو»، تحريف. وفي النسخ المطبوعة: «يتروَّى»، وهو ضدّ المقصود!
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في «إصلاح المال» (٧٠)، والدينوري في «المجالسة» (٢٤٢٧)، وأبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٣٨١)، والبيهقي في «المدخل» (٥٤٩)، وإسناده صحيح.
(٣) في النسخ المطبوعة: «احتاج».
(٤) ز، ك: «الخامس».
(٥) «وإلا» هذه أفسدت السياق، ولا يستقيم إلا بحذفها. وقد سبق التنبيه على استعمالها الملحون في زمن المؤلف (١/ ٣٥٣).