للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعالم يصلّي خلف مثلِه ومن هو دونه، بل خلف من ليس بعالم، وليس من تقليده في شيء.

يوضّحه الوجه السبعون: أن المأموم يأتي بمثل ما يأتي به الإمام سواء، والركْب يأتون بمثل ما يأتي به الدليل، ولو لم يفعلا (١) ذلك لما كان هذا متبعًا، فالمتبع للأئمة هو الذي يأتي بمثل ما أتوا به سواء، من معرفة الدليل وتقديم الحجة وتحكيمها حيث كانت ومع من كانت؛ فهذا يكون متبعًا لهم، وأما مع إعراضه عن الأصل الذي قامت عليه إمامتهم ويسلك غير سبيلهم ثم يدعي أنه مؤتمٌّ بهم فتلك أمانيُّهم، ويقال لهم: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١].

الوجه الحادي والسبعون: قولكم: «إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحوا البلاد، وكان الناس حديثي عهد بالإسلام، وكانوا يفتونهم، ولم يقولوا لأحد منهم: عليك أن تطلب معرفة الحق في هذه الفتوى بالدليل»، جوابه: أنهم لم يفتوهم بآرائهم، وإنما بلَّغوهم ما قاله نبيهم وفعله وأمر به؛ فكان ما أفتوهم به هو الحكم وهو الحجة، وقالوا لهم: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم، فكان ما يخبرونهم به هو نفس الدليل وهو الحكم؛ فإن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الحكم وهو دليل الحكم، وكذلك القرآن، وكان الناس [٤٤/ب] إذ ذاك إنما يحرِصون على معرفة ما قاله نبيهم وفعله وأمر به، وإنما تبلِّغهم الصحابة ذلك.

فأين هذا من زمانٍ إنما يحرِص أشباه الناس فيه على ما قاله الآخِر فالآخِر، وكلما تأخَّر الرجل أخذوا كلامه وهجروا أو كادوا يهجرون كلام


(١) ع: «لم يفعلوا».