للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ذكر سبحانه حال الفروع فقال: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ} [التوبة: ٦٩] فدلَّ هذا على أنَّ حكمَهم حكمُهم، وأنه ينالهم ما نالهم؛ لأنَّ حكمَ النظير حكمُ نظيره.

ثم قال: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، فقيل: "الذي" صفة لمصدر محذوف، أي كالخوض الذي خاضوا. وقيل: لموصوف محذوف (١)، أي كالفَوج (٢) الذي خاضوا، وهو فاعل الخوض. وقيل: "الذي" مصدرية كـ"ما"، أي كخوضهم. وقيل: هي موضع "الذين" (٣).

والمقصود: أنه سبحانه جمع بين الاستمتاع بالخَلاق وبين الخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلُّم به وهو الخوض، أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق. فالأول البدع، والثاني اتباع الهوى (٤). وهذان هما أصلُ كلِّ شرٍّ وفتنة وبلاء، وبهما كُذِّبت الرسل، وعُصي الرَّبُّ، ودُخِلت النار، وحَلَّت العقوبات. فالأول من جهة الشبهات، والثاني من جهة الشهوات.


(١) في "الاقتضاء" (١/ ١١٨): "وفي (الذي) وجهان: أحسنهما أنها صفة المصدر ... والثاني أنه صفة الفاعل". وهذا أصح، فإن الموصوف محذوف في الوجه الأول أيضًا.
(٢) كذا في النسخ الخطية، وأقدم نسخ "الاقتضاء". وفي النسخ المطبوعة: "كخوض القوم"، ولعله من تصرف بعض الناشرين.
(٣) القولان الأخيران إضافة من المؤلف.
(٤) في "الاقتضاء" (١/ ١١٨): "والأول: هو البدع ونحوها. والثاني: فسق الأعمال ونحوها". وبهذا اللفظ نقله المصنف في "إغاثة اللهفان" (٢/ ٩٠٢).