للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالصحيح أنها تُقبل، وقيل: لا تُقبل لأنه مكذِّب لها؛ فالحيلة في استدراكه ما غلِطَ فيه بحيث تُقبل منه أن يقول: خسرتُها بعد أن ربحتُها، فالقول قوله في ذلك، ولا يلزمه الألف. وهكذا الحيلة في استدراك كل أمينٍ لظُلامتِه، كالمودع إذا ردَّ الوديعة التي دُفِعت إليه ببينة، ولم يشهد على ردِّها، فهل يُقبل قوله في الردّ؟ فيه قولان هما روايتان عن الإمام أحمد. فإذا خاف أن لا يُقبل قوله فالحيلة في تخلُّصه أن يدَّعي تلَفَها من غير تفريط، فإن حلَّفه على ذلك فليحلِف مورِّيًا متأوِّلًا أن تلَفَها من عنده خروجها من تحت يده، ونظائر ذلك، والله أعلم.

المثال الحادي والسبعون: إن استغرقت الديون مالَه لم يصحَّ تبرُّعُه بما يُضِرُّ بأرباب الديون، سواء حَجَرَ عليه الحاكم أو لم يحجُرْ عليه. هذا مذهب مالك، واختيار شيخنا (١)، وعند الثلاثة يصحُّ تصرفه في ماله قبل الحجر بأنواع التصرف.

والصحيح هو القول الأول، وهو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره، بل هو (٢) مقتضى أصول الشرع وقواعده؛ لأن حق الغرماء قد تعلَّق بماله؛ ولهذا يحجُر عليه الحاكم، ولولا تعلُّق حق الغرماء بماله لم يَسَعِ الحاكمَ الحجرُ عليه، فصار كالمريض مرضَ الموت؛ لما تعلَّق حق الورثة بماله منعه الشارع من التبرُّع بما زاد على الثلث، فإن في تمكينه من التبرُّع بماله إبطال حقّ الورثة منه، وفي تمكين هذا [١٣٦/أ] المِدْيان (٣) من التبرع إبطال حقوق


(١) انظر: «الاختيارات» للبعلي (ص ٢٠٢).
(٢) «هو» ليست في ك.
(٣) ك: «الديان»، تحريف. والمديان: من يُقرِض أو يقترض كثيرًا.