للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث نفسٍ وخاطرٍ أجراه على قلبه، بمنزلة أن يقول بلسانه: «أعددتُها للقنية» وليس ذلك في قلبه؟ أفلا يستحيي من الله من يُسقِط فرائضه بهذا الهوس وحديث النفس؟

وأعجب من هذا أنه لو كان عنده عينٌ من الذهب والفضة فأراد إسقاط زكاتها في جميع عمره، فالحيلة أن يدفعها إلى محتالٍ مثله أو غيره في آخر الحول ويأخذ منه نظيرها فيستأنف له الحول، ثم في آخره يعود فيستبدل بها مثلها، فإذا هو فعل ذلك لم تجب عليه زكاته ما عاش. وأعظم من هذه البلية إضافة هذا المكر والخداع إلى الرسول، وأن هذا من الدين الذي جاء به.

ومثل هذا وأمثاله منع كثيرًا من أهل الكتاب من الدخول في الإسلام، وقالوا: كيف يأتي رسول بمثل هذه الحيل؟ وأساؤوا ظنَّهم به وبدينه، وتواصَوا بالتمسك بما هم عليه، وظنوا أن هذا هو الشرع الذي جاء به، وقالوا: كيف تأتي بهذا شريعة أو تقوم به مصلحة أو يكون من عند الله؟ ولو أن ملِكًا من الملوك ساس رعيته بهذه السياسة لقدح ذلك في ملكه. قالوا: وكيف يشرع الحكيم الشيء لما في شرعه من المصلحة ويحرِّمه لما في فعله من المفسدة ثم يبيح إبطال ذلك بأدنى حيلة تكون؟ وترى الواحد منهم إذا ناظره المسلم في صحة دين الإسلام إنما يحتج عليه بهذه الحيل، كما هو في كتبهم وكما نسمعه من لفظهم عند المناظرة، فالله المستعان.

وكذلك قالوا: لو كان له نصاب من السائمة فأراد إسقاط زكاتها، فالحيلة في ذلك أن يَعلِفها يومًا واحدًا ثم يعود إلى السَّوم، وكذلك يفعل في كل حولٍ. وهذه الحيلة باطلة لا تُسقِط عنه وجوبَ الزكاة، بل وكذلك كل حيلة يتحيل بها على إسقاط فرض من فرائض الله أو حق من حقوق عباده لا