للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس، فإنها نجست (١) لوصف الخبث، فإذا زال الموجِب زال الموجَب. وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها، بل وأصل الثواب والعقاب. وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت. وقد نبَش النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قبور المشركين من موضع مسجده، ولم ينقل التراب (٢). وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم. وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا عُلِفت بالنجاسة، ثم حبست وعُلِفت بالطاهرات، حلَّ لبنها ولحمها. وكذلك الزروع والثمار إذا سُقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلَّت لاستحالة وصف الخبث وتبدُّله بالطيب. وعكسُ هذا أن الطيِّب إذا استحال خبيثًا صار نجسًا، كالماء والطعام إذا استحال بولًا وعَذِرة. فكيف أثَّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثًا، ولم تؤثِّر في انقلاب الخبيث طيبًا؟ [٢٤٢/أ] والله تعالى يُخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب. ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء في نفسه. ومن الممتنع بقاءُ حكم الخبث، وقد زال اسمه ووصفه. والحكمُ تابع للاسم والوصف، دائرٌ معه وجودًا وعدمًا. فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخَلَّ، لا لفظًا ولا معنًى، ولا نصًّا ولا قياسًا.

والمفرِّقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا: الخمر نجست


(١) في النسخ المطبوعة: «نجسة».
(٢) أخرجه البخاري (٤٢٨) ومسلم (٥٢٤) من حديث أنس.