للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البشر، وهي من أعظم معجزاته عند أرباب البصائر؛ فإن الكذَّاب ــ ولا سيما على الله ــ أقلقُ ما يكون، وأخوف ما يكون، وأشدُّه اضطرابًا، في مثل هذه المواطن. فلو لم يكن للرسل ــ صلوات الله وسلامه عليهم ــ من الآيات إلا هذه وحدها لكفتهم.

وأما الخاصَّة، فتكون لأتباع الرسل بحسب متابعتهم، وهي سكينة الإيمان، وهي سكينة تسكِّن القلوب عن الريب والشك. ولهذا أنزلها الله على المؤمنين في أصعب المواطن أحوجَ ما كانوا إليها عند القلق والاضطراب الذي لم يصبر عليه مثلُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وذلك يوم الحديبية. قال تعالى يذكر نعمته عليهم بإنزالها أحوجَ ما كانوا إليها {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [٢٠١/أ] وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: ٤]. فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم والجنود الداخلة فيهم، وهي السكينة (١)، وقال بعد ذلك (٢): {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: ١٨]. لمَّا علِم الله سبحانه ما في قلوبهم من القلق والاضطراب، لِما منَعهم كفارُ قريش من دخول بيت الله، وحبسوا الهَدْيَ عن محِلِّه، واشترطوا عليهم تلك الشروط الجائرة الظالمة، فاضطربت قلوبهم


(١) الآية الكريمة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ .... وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} وما بعدها إلى «وهي السكينة» وقعت في النسخ المطبوعة قبل «عند القلق والاضطراب» لانتقال النظر فيما يبدو.
(٢) «وقال بعد ذلك» لم يرد في النسخ المطبوعة.