للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقلِقت، ولم تطق الصبر= فعلِم تعالى ما فيها، فثبَّتها (١) بالسكينة رحمةً منه ورأفةً ولطفًا، وهو اللطيف الخبير. وتحتمل الآية وجهًا آخر، وهو أنه سبحانه علِمَ ما في قلوبهم من الإيمان والخير ومحبته ومحبة رسوله، فثبَّتها بالسكينة وقت قلقها واضطرابها.

والظاهر أن الآية تعُمُّ الأمرين، وأنه (٢) علِمَ ما في قلوبهم مما يُحتاج (٣) معه إلى إنزال السكينة، وما في قلوبهم من الخير الذي هو سببُ إنزالها.

ثم قال بعد ذلك: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: ٢٦]. لمَّا كانت حميةُ الجاهلية توجب من الأقوال والأعمال ما يناسبها جعل الله في قلوب أوليائه سكينةً تقابل حميةَ الجاهلية، وفي ألسنتهم كلمةَ التقوى مقابِلةً لما توجبه حميةُ الجاهلية من كلمة الفجور. فكان حظُّ المؤمنين السكينةَ في قلوبهم، وكلمةَ التقوى على ألسنتهم؛ وحظُّ أعدائهم حميةَ الجاهلية في قلوبهم، وكلمةَ الفجور والعدوان على ألسنتهم. فكانت هذه السكينة وهذه الكلمة جندًا من جند الله أيَّد بهما (٤) رسولَه والمؤمنين في مقابلة جند الشيطان الذي في قلوب أوليائه وألسنتهم.


(١) لعل المصنف - رحمه الله - ذهل عن قوله: «لمَّا علم» في بداية كلامه، فأدخل الفاء على جواب لمَّا.
(٢) في النسخ المطبوعة: «وهو أنه».
(٣) في النسخ المطبوعة: «يحتاجون».
(٤) ز: «بها»، وكذا في النسخ المطبوعة مع زيادة لفظ الجلالة بعدها: «بها الله».