للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقلّدًا، بل كان الصحابة الذين أخذوا عن نظرائهم مقلدين. ومثل هذا الاستدلال لا يصدر إلا من مشاغبٍ أو ملبِّس يقصد لَبْس الحقّ بالباطل. والمقلّد لجهله أخذ نوعًا صحيحًا من أنواع التقليد، واستدلّ به على النوع الباطل منه لوجود القدر المشترك، وغَفَل عن القدر الفارق، وهذا هو القياس الباطل المتفق على ذمه، وهو أخو هذا التقليد الباطل، كلاهما في البطلان سواء. وإذا جعل الله سبحانه خبرَ الصادق حجة وشهادة العدل حجة لم يكن متبع الحجة مقلدًا، وإن قيل: إنه مقلّد للحجة فحيَّهلا بهذا التقليد وأهله، وهل نُدندِن إلا حوله؟ والله المستعان.

الوجه الخامس والسبعون: قولكم: «أنتم منعتم من التقليد خشيةَ وقوع المقلّد في الخطأ بأن يكون من قلَّده مخطئًا في فتواه، ثم أوجبتم عليه النظر [٤٦/أ] والاستدلال في طلب الحق، ولا ريب أن صوابه في تقليده لمن هو أعلم منه أقرب من اجتهاده هو لنفسه، كمن أراد شراء سلعةٍ لا خِبرةَ له بها فإنه إذا قلّد عالمًا بتلك السلعة خبيرًا بها أمينًا ناصحًا كان صوابه وحصول غرضه أقرب من اجتهاده لنفسه».

جوابه من وجوه:

أحدها: أنّا منعنا التقليد طاعةً لله ورسوله، والله ورسوله منع منه، وذمّ أهله في كتابه، وأمر بتحكيمه وتحكيم رسوله وردِّ ما تنازعت فيه الأمة إليه وإلى رسوله، وأخبر أن الحكم له وحده، ونهى أن يتخذ من دونه ودون رسوله وليجة، وأمر أن يعتصم بكتابه، ونهى أن يتخذ من دونه أولياء وأربابًا يُحِلُّ من اتخذهم ما أحلُّوه ويُحرِّم ما حرَّموه، وجعل (١) من لا علم له بما


(١) «وجعل» ليست في ت.