للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستعجل المتوكل ويقول: قد توكَّلتُ، ودعوتُ، فلم أر شيئًا، ولم تحصل لي الكفاية. فالله بالغٌ أمرَه في وقته الذي قدَّره له.

وهذا كثير جدًّا في القرآن والسنة، وهو باب لطيف من أبواب فهم النصوص.

الفائدة السادسة: ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك، ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجًا مجرَّدًا عن دليله ومأخذه؛ فهذا لضيق عطنه وقلة بضاعته من العلم. ومن تأمَّلَ فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قولُه حجةٌ بنفسه رآها مشتملةً على التنبيه على حكمة الحُكم، ونظيره، ووجه مشروعيته.

وهذا كما سئل عن بيع الرُّطَب بالتمر فقال: «أينقصُ الرُّطَبُ إذا جفَّ؟» قالوا: نعم. فزجَر عنه (١). ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف، ولكن نبَّههم على علة التحريم وسببه.

ومن هذا: قوله لعُمَر، وقد سأله عن قبلة امرأته وهو صائم، فقال: «أرأيت لو تمضمضتَ ثم مججتَه، أكان يضرُّ شيئًا؟» قال: لا. فنبَّه على أن مقدمة المحظور لا يلزم أن تكون محظورة، فإن غاية القبلة أنها مقدمة الجماع، فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته، كما أن وضع الماء في الفم مقدِّمةُ شربه، وليست المقدِّمة محرَّمة (٢).


(١) سبق تخريجه.
(٢) وانظر: «بدائع الفوائد» (٤/ ١٥٣٧).