للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

[١٧٣/أ] في جواز الفتوى بالآثار السلفية والفتاوي الصحابية

وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم، وأن قُربها إلى الصواب بحسب قُرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وأن فتاوى الصحابة أولى أن يُؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين، وهلمَّ جرًّا. وكلَّما كان العهد بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أقربَ كان الصواب أغلبَ، وهذا حكم (١) بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل، كما أن عصر التابعين وإن كان أفضلَ من عصر تابعيهم، فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص، ولكنِ المفضَّلون في العصر المتقدم أكثر من المفضَّلين في العصر المتأخر، وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم؛ فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين.

ولعله لا يَسَعُ المفتيَ والحاكمَ عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلِّدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه، ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم (٢)، بل يترك قول ابن المبارك والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم، بل لا يلتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم، بل لا يَعدُّ قول سعيد بن المسيّب والحسن والقاسم وسالم


(١) ك: «الحكم».
(٢) «وأمثالهم» ليست في ك، ب.