للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا تجد في كلام السلف ذمَّ القياس وأنه ليس من الدين، وتجد في كلامهم استعماله والاستدلال به. وهذا حقٌّ، وهذا حقٌّ، كما سنبيِّنه إن شاء الله تعالى.

والأقيسة المستعملة في الاستدلال ثلاثة: قياس علّة، وقياس دلالة، وقياس شَبَه؛ وقد وردت كلُّها في القرآن.

فأما قياس العلّة، فقد جاء في كتاب الله عز وجل في مواضع. منها: قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩]، فأخبر تعالى أنَّ عيسى نظير آدم في التكوين، بجامع ما يشتركان فيه من المعنى الذي تعلَّق به وجودُ سائر المخلوقات، وهو مجيئها طوعًا لمشيئته وتكوينه؛ فكيف يَستنكر وجودَ عيسى من غير أبٍ مَن يُقِرُّ بوجود آدم من غير أب ولا أم، ووجودِ حواء من غير أم؟ فآدم وعيسى نظيران يجمعهما المعنى الذي يصح تعليقُ الإيجاد والخلق به.

ومنها: قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: ١٣٧] أي: قد كان من قبلكم أمم أمثالكم، فانظروا إلى عواقبهم السيئة، واعلموا أنَّ سبب ذلك ما كان من تكذيبهم بآيات الله ورسله، وهم الأصل، وأنتم الفرع، والعلة الجامعة التكذيب، والحكم [٧٧/ب] الهلاك.

ومنها: قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: ٦]، فذكر سبحانه