للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إهلاكَ مَن قبلنا من القرون، وبيَّن أن ذلك كان لمعنًى (١)، وهو ذنوبهم. فهم الأصل، ونحن الفرع. والذنوب العلَّة الجامعة، والحكم الهلاك. فهذا محض قياس العلة، وقد أكَّده سبحانه بضرب من الأَولى، وهو أنَّ من قبلنا كانوا أقوى منَّا، فلم تدفع عنهم قوتهم وشدتهم ما حلَّ بهم.

ومنه: قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: ٦٩].

وقد اختُلِف في محلِّ هذه الكاف وما تتعلَّق به، فقيل (٢): هو رفعٌ خبرُ مبتدأ محذوف، أي أنتم كالذين من قبلكم. وقيل: نصبٌ بفعل محذوف، تقديره فعلتم كفعل الذين من قبلكم. والتشبيه على هذين القولين في أعمال الذين من قبل، وقيل: إنَّ التشبيه في العذاب. ثم قيل: العامل محذوف، أي لعَنَهم وعذَّبهم كما لعَن الذين من قبل. وقيل (٣): بل العامل ما تقدَّم، أي وعَد الله المنافقين كوعد الذين من قبلكم، ولعَنهم كلعنهم، ولهم عذاب مقيم كالعذاب الذي لهم (٤).


(١) ع: "لمعنى القياس"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) من هنا إلى آخر كلامه على الآية ــ ما عدا الاستدلال بها على القياس ــ معظمه منقول بنصه أو بتصرف يسير من كتاب شيخه "اقتضاء الصراط المستقيم" (١/ ١١١ - ١٢١)، وعبارة الشيخ أوجز وأحكم.
(٣) قال شيخ الإسلام: "وهو أجود".
(٤) في الاقتضاء (١/ ١١٢): " ... ولعَنهم كلعن الذين من قبلكم، ولهم عذاب مقيم كالذين من قبلكم، ومحلُّها نصب. ويجوز أن يكون رفعًا، أي عذاب كعذاب الذين من قبلكم".