وكلوا» (١)، فهل يسوغ لكم تقليدُ الكفّار والفسّاق في الدين كما تقلّدونهم في الذبائح والأطعمة؟
فدَعُوا هذه الاحتجاجات الباردة وادخلوا معنا في الأدلة الفارقة بين الحق والباطل؛ لنعقد معكم عقد الصلح اللازم على تحكيم كتاب الله وسنة رسوله والتحاكم إليهما وترك أقوال الرجال لهما، وأن ندورَ مع الحق حيث كان، ولا نتحيَّز إلى شخص معين غير الرسول: نقبل قوله كله، ونردُّ قول من خالفه كله، وإلا فاشهدوا بأنا أول منكرٍ لهذه الطريقة وراغبٍ عنها داعٍ إلى خلافها، والله المستعان.
الوجه الحادي والستون: قولكم: «لو كُلِّف الناس كلهم الاجتهادَ وأن يكونوا علماء ضاعت مصالح العباد، وتعطَّلت الصنائع والمتاجر، وهذا مما لا سبيلَ إليه شرعًا وقدرًا»، فجوابه من وجوه:
أحدها: أن من رحمة الله سبحانه بنا ورأفتِه أنه لم يكلِّفنا بالتقليد، فلو كلَّفنا به لضاعت أمورنا، وفسدت مصالحنا، لأنا لم نكن ندري من نقلِّد من المفتين والفقهاء، وهم عدد فوق المئتين، ولا يدري عددهم في الحقيقة إلا الله، فإن المسلمين قد ملأوا الأرض شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، وانتشر الإسلام بحمد الله وفضله وبلغ ما بلغ الليل، فلو كلّفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العَنَت والفساد، ولكلّفنا بتحليل الشيء وتحريمه وإيجاب الشيء وإسقاطه معًا إن كلّفنا بتقليد كل عالم، وإن كلّفنا بتقليد الأعلم فالأعلم
(١) رواه ابن ماجه (٣١٧٤)، والدارمي (٢٠١٩)، واللفظ لهما، وهو أيضًا عند البخاري بنحوه (٧٣٩٨).