للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فهذا بعض ما اشتمل عليه القرآن من التمثيل والقياس، والجمع والفرق، واعتبار العلل والمعاني، وارتباطها بأحكامها تأثيرًا واستدلالًا.

قالوا: وقد (١) ضرب الله سبحانه الأمثال، وصرَّفها قَدَرًا وشرعًا، ويقظةً ومنامًا؛ ودلَّ عباده على الاعتبار بذلك، وعبورِهم من الشيء إلى نظيره، واستدلالهم بالنظير على النظير.

بل هذا أصل عبارة الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة، ونوع من أنواع الوحي؛ فإنها مبنية على القياس والتمثيل، واعتبار المعقول بالمحسوس. ألا ترى أن الثياب في التأويل كالقُمُص تدل على الدين، فما كان فيها من طول أو قِصَر أو نظافة أو دنَس فهو في الدين، كما أوَّل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - القميصَ بالدين والعلم (٢). والقدر المشترك بينهما أنّ كلًّا منهما يستُر صاحبه ويجمِّله بين الناس، فالقميص يستُر بدنه، والعلم والدين يستُر روحَه وقلبَه ويجمِّله بين الناس.

ومن هذا: تأويل اللبن بالفطرة (٣)، لما في كلٍّ منهما من التغذية الموجبة


(١) في النسخ المطبوعة: "قد" بإسقاط الواو.
(٢) يقصد حديث أبي سعيد الخدري، الذي أخرجه البخاري (٢٣) ومسلم (٢٣٩٠) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرَضون عليَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما دون ذلك. عُرِض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجُرُّه". قالوا: فما أوَّلتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". وقد ذكر المصنف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوَّل القميص بالعلم أيضًا ولكن لم يذكر في الحديث إلا الدين.
(٣) كما في حديث الإسراء، أخرجه البخاري (٣٤٣٧) ومسلم (١٦٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.