للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

في تغيُّر الفتوى واختلافها بحسب تغيُّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد

هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهل به غلطٌ عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليفِ ما لا سبيل إليه ما (٢) يُعلَم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رُتَب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالحُ كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث= فليست من الشريعة وإن أُدخِلت فيها بالتأويل.

فالشريعة عدلُ الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظلُّه في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله أتمَّ دلالة وأصدقَها، وهي نوره الذي به أبصر المُبصِرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التامّ الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل. فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح؛ فهي لها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصلٌ بها، وكل نقصٍ في الوجود فسببه من إضاعتها. ولولا رسومٌ قد بقيتْ (٣)، وهي


(١) من هنا بداية نسخة ز، والإحالة إلى أوراقها. وهو بداية النصف الثاني من الكتاب.
(٢) د، ز: «وما».
(٣) جواب لولا محذوف، يدل عليه قوله الآتي: «خراب الدنيا وطيّ العالم». وقد أثبتوا الجواب هنا في النسخ المطبوعة، وليس في الأصول.