للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفائدة الخامسة والأربعون: في أخذه (١) الأجرة والهدية والرزق على الفتوى، فهذه (٢) ثلاث صور مختلفة السبب والحكم.

فأما أخذه الأجرة، فلا يجوز له لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه؛ كما لو قال له: لا أعلِّمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة، أو سئل عن حلال أو حرام، فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة= فهذا حرام قطعًا، ويلزمه ردُّ العوض، ولا يملكه.

وقال بعض المتأخرين (٣): إن أجاب بالخطِّ، فله أن يقول للسائل: لا يلزمني أن أكتب لك خطِّي إلا بأجرة؛ وله أخذُ الأجرة. وجعَلَه بمنزلة أجرة الناسخ، فإنه يأخذ الأجرة على خطِّه، لا على جوابه، وخطُّه قدر زائد على جوابه.

والصحيح: خلاف ذلك، وأنه يلزمه الجواب مجّانًا لله بلفظه وخطِّه، ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر.

وأما الهدية، ففيها تفصيل. فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته يهاديه، أو من لا يعرف أنه مفتٍ، فلا بأس بقبولها؛ والأولى أن يكافئ عليها. وإن كانت بسبب الفتوى، فإن كانت سببًا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيرَه ممن لا يُهدي له لم يجُز له قبول هديته. وإن كان لا فرق بينه وبين غيره عنده في الفتيا، بل يفتيه بما يفتي به الناس، كُرِه له قبول الهدية لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء.


(١) ك، ب: «أخذ»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) في النسخ المطبوعة: «فيه»!
(٣) هو أبو حاتم القزويني الشافعي. انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص ١١٤).