للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حسن نيته وقصده، فكُتِب من كلامه وفتاواه (١) أكثر من ثلاثين سِفْرًا، ومنَّ الله سبحانه علينا بأكثرها فلم يفُتْنا منها إلا القليل. وجمع الخلَّال نصوصه في "الجامع الكبير"، فبلغ نحو عشرين سِفْرًا أو أكثر (٢). ورُويت فتاويه ومسائله وحُدِّث بها قرنًا بعدَ قرنٍ فصارت إمامًا وقدوةً لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إنَّ المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلِّدين لغيره لَيُعظِّمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقَّها [١٥/أ] وقربَها من النصوص وفتاوى الصحابة. ومن تأمَّل فتاواه وفتاوى الصحابة رأى مطابقةَ كلٍّ منهما للأخرى، ورأى الجميعَ كأنها تخرج من مشكاة واحدة، حتَّى إنَّ الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان.

وكان تحرِّيه لفتاوى الصحابة كتحرِّي أصحابه لفتاويه ونصوصه، بل أعظم، حتَّى إنَّه لَيُقدِّم فتاواهم على الحديث المرسل. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في "مسائله" (٣): قلتُ لأبي عبد الله: حديثٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرسلٌ برجالٍ ثَبَتٍ أحبُّ إليك أو حديثٌ عن الصحابة والتابعين متصلٌ برجال ثَبَت؟ قال أبو عبد الله - رحمه الله -: عن الصحابة أعجَبُ إليَّ.

وكانت فتاويه مبنية على خمسة أصول:

أحدها: النصوص. فإذا وجد النص أفتى (٤) بموجبه، ولم يلتفت إلى ما


(١) ع: "وفتواه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) في "سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٢٩٧) أيضًا: "يكون عشرين مجلدًا". وقد ذكر ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" (٢/ ٦٨٢) أنه "نحو من مائتي جزء"، ولا تعارض بين القولين.
(٣) (٢/ ١٦٥).
(٤) ت: "أفتى به". و"به" مقحمة.