للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أمرٌ يشهده من له بصر نافذ بحقائق الأعمال وارتباط الظاهر بالباطن، وتأثُّرِ كلٍّ منهما بالآخر وانفعالِه عنه.

فصل

وأما كونه في عضوين، ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة، فإنَّ وضعَ التراب على الرؤوس مكروه في العادات، وإنما يُفعل عند المصائب والنوائب. والرِّجلان محلُّ ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله والذل له والانكسار لله ما هو من أحبِّ العبادات إليه وأنفعها للعبد. ولذلك يستحَبُّ للساجد أن يترِّبَ وجهه لله، وأن لا يقصد وقاية وجهه من التراب كما قال بعض الصحابة لمن رآه قد سجد، وجعل بينه وبين التراب وقاية فقال: «ترِّب وجهَك» (١). وهذا المعنى لا يوجد في تتريب الرِّجلين.

وأيضًا فموافقة ذلك للقياس من وجه آخر، وهو أن التيمم جُعِل في العضوين المغسولين، وسقط عن العضوين الممسوحين، فإن الرجلين تُمسَحان في الخف (٢)، فلما خُفِّف عن المغسولين بالمسح خُفِّف عن


(١) المشهور أن الحديث مرفوع، رواه أحمد (٢٦٥٧٢، ٢٦٧٤٤)، والترمذي (٣٨١، ٣٨٢) من حديث أم سلمة مرفوعا، وقال الترمذي: «إسنادُه ليس بذاك ... ». وضعّفه أيضًا البيهقي (٢/ ٢٥٢)، والبغوي في «شرح السنة» (٣/ ٢٤٦). أما ابن حبان فصححه (١٣٢٤). وصححه أيضًا الحاكم (١/ ٢٧١). وله شاهدٌ، رواه عبد الرزاق (١٥٢٨) عن معمر، عن خالد الحذّاء مرسلا، وهو (على التحقيق) معضلٌ. ويُنظر: «السنن الكبرى» للنسائي (٥٥٣)، و «الأحكام الوسطى» لعبد الحق الإشبيلي (٢/ ٧)، و «بيان الوهم والإيهام» لابن القطان الفاسي (٣/ ٢٥٥ - ٢٥٦، ٥/ ٦٩٦).
(٢) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «والرأس في العمامة».