للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد فصَّل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى» (١) الأمرَ في هذه الحيل وأنواعها، فأخبر أن الأعمال تابعة لمقاصدها ونياتها، وأنه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله إلا ما نواه وأبطنه لا ما أعلنه وأظهره. وهذا نصٌّ في أن من نوى التحليل (٢) كان محلِّلا، ومن نوى الربا بعقد التبايع كان مرابيًا، ومن نوى المكر والخداع كان ماكرًا مخادعًا.

ويكفي هذا الحديث وحدَه في إبطال الحيل، ولهذا صدَّر به حافظ الأمة محمد بن إسماعيل البخاري إبطال الحيل (٣)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أبطل ظاهرَ هجرة مهاجر أم قيس بما أبطنه ونواه من إرادة أم قيس. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «البيِّعانِ بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقةَ خيارٍ، ولا يحلُّ له أن يفارقه خشيةَ أن يستقيله» (٤)، فاستدل به الإمام أحمد وقال: فيه إبطال الحيل (٥).

وقد أشكل هذا على كثير من الفقهاء بفعل ابن عمر؛ فإنه كان إذا أراد أن يلزم البيع مشى خطواتٍ (٦)، ولا إشكال بحمد الله تعالى في الحديث، وهو


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ز: «التحيل».
(٣) في «صحيحه» (١٢/ ٣٢٧ - مع الفتح).
(٤) رواه بهذا اللفظ الترمذي (١٢٤٧) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -، وحسَّنه. ورواه أيضًا أبو داود (٣٤٥٦) والنسائي (٤٤٨٣) بنحوه. والحديث رواه أيضًا البخاري (٢١٠٩) من حديث ابن عمر بنحوه. وهو مروي من حديث حكيم بن حزام أيضًا عند البخاري (٢١١٠) ومسلم (١٥٣٢).
(٥) كما في «إبطال الحيل» (١٠٨).
(٦) رواه البخاري (٢١٠٧) ومسلم (١٥٣١/ ٤٥).