للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أظهر الأدلة على بطلان التحيُّل لإسقاط حقِّ من له حق؛ فإن الشارع صلوات الله وسلامه عليه (١) أثبت خيار المجلس في البيع حكمةً ومصلحة للمتعاقدين، وليحصل تمام الرضى الذي شرطه الله سبحانه فيه؛ فإن العقد قد يقع بغتةً من غير تَروٍّ ولا نظرٍ في القيمة، فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حريمًا يتروَّى فيه المتبايعان، ويعيدان النظر، ويستدرك كل واحد منهما عيبًا كان خفيًّا. فلا أحسنَ من هذا الحكم، ولا أرفقَ بمصلحة الخلق؛ فلو مكّن أحد المتعاقدين الغابن للآخر من النهوض (٢) في الحال والمبادرة إلى التفرق، لفاتت مصلحةُ الآخر ومقصودُ الخيار بالنسبة إليه. وهَبْ أنك أنت اخترتَ إمضاء البيع فصاحبك لم يتسع له وقت ينظر فيه ويتروَّى، فنهوضك حيلة على إسقاط حقّه من الخيار، فلا يجوز حتى يخيِّره؛ فلو فارق المجلس لغير هذا لحاجةٍ أو صلاة أو غير ذلك ولم يقصد [٥٥/ب] إبطال حق أخيه من الخيار لم يدخل في هذا التحريم، ولا يقال: هو ذريعة إلى إسقاط حق الآخر من الخيار؛ لأن باب الذرائع متى فاتت به مصلحة راجحة أو تضمَّن مفسدة راجحة لم يلتفت إليه. فلو منع العاقد من التفرُّق حتى يقوم الآخر لكان في ذلك إضرار به ومفسدة راجحة؛ فالذي جاءت به الشريعة في ذلك أكمل شيء وأوفقه للحكمة والمصلحة (٣)، ولله الحمد.

وتأمَّل قوله: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلُّوا محارمَ الله بأدنى


(١) ز: «عليه وسلامه».
(٢) ز: «النهوظ».
(٣) ز: «للمصلحة والحكمة».