أذهبتُكم واستخلفتُ غيركم، كما أذهبتُ مَن قبلكم واستخلفتُكم. فذكر أركان القياس الأربعة: علّة الحكم، وهي عموم مشيئته وكمالها. والحكم، وهو إذهابه بهم وإتيانه بغيرهم. والأصل، وهو مَن كان من قبل. والفرع، وهم المخاطبون.
ومنه: قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}[يونس: ٣٩]. فأخبر أن مَن قبلَ المكذِّبين أصلٌ يعتبر به، والفرعُ نفوسهم، فإذا ساووهم في المعنى ساووهم في العاقبة.
ومنه: قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: ١٥ - ١٦]. فأخبر سبحانه أنه أرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلينا، كما أرسل موسى إلى فرعون؛ وأن فرعون عصى رسوله فأخذه أخذًا وبيلًا، فهكذا مَن عصى منكم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا في القرآن كثير جدًّا، فقد فُتِح لك بابُه.
فصل
وأما قياس الدلالة، فهو الجمع بين الأصل والفرع، بدليل العلَّةِ وملزومِها. [٨٠/أ] فمنه (١): قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت: ٣٩]. فدلَّ سبحانه عباده بما أراهم من الإحياء الذي تحقَّقوه