للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض المواضع، فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدوِّ صلاحه، والحبِّ بعد اشتداده. ومعلوم أن العقد إنما ورد على الموجود، والمعدوم الذي لم يُخلَق بعد. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعه قبل بدوِّ صلاحه، وأباحه بعد بدوِّ الصلاح. ومعلوم أنه إذا اشتراه قبل الصلاح بشرط القطع كالحِصْرِم جاز، فإنما نهى عن بيعه إذا كان قصده التبقية إلى الصلاح. ومن جوَّز بيعه قبل الصلاح وبعده بشرط القطع أو مطلقًا، وجعل موجب العقد القطع، وحرَّم بيعه بشرط التبقية أو مطلقًا= لم يكن عنده لظهور الصلاح فائدة. ولم يكن فرَّق بين ما نهى عنه من ذلك وما أذن فيه، فإنه يقول: موجَب العقد: التسليم في الحال، فلا يجوز شرط تأخيره سواء بدا صلاحه أو لم يبدُ. والصواب قول الجمهور الذي دلَّت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقياس الصحيح.

وقوله: «إن موجب العقد التسليم في الحال»، جوابه أن موجب العقد إما أن يكون ما أوجبه الشارع بالعقد أو ما أوجبه المتعاقدان مما يسوغ لهما أن يوجباه. وكلاهما منتفٍ في هذه الدعوى، فلا الشارع أوجب أن يكون كلُّ بيع يستحقُّ به التسليم (١) عقيب العقد، ولا العاقدان التزما ذلك. بل تارةً يعقدان العقد على هذا الوجه، وتارةً يشترطان التأخير إما في الثمن وإما في المثمَّن. وقد يكون للبائع غرض صحيح ومصلحة في تأخير تسليم المبيع (٢)، كما كان لجابر غرض صحيح في تأخير تسليم بعيره إلى المدينة. فكيف يمنعه الشارع ما فيه مصلحة له، ولا ضرر على الآخر فيها؟ إذ قد


(١) ع: «مستحق التسليم»، وكذا في «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٤٤). وفي النسخ المطبوعة: «كل مبيع مستحق التسليم». ونحوه في نشرة الوكيل بزيادة «به» بعد «مبيع».
(٢) في النسخ المطبوعة: «التسليم للمبيع».