للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحدود. بل قد حدَّ الخلفاء الراشدون والصحابة - رضي الله عنهم - في الزنا بالحَبَل (١)، وفي الخمر بالرائحة (٢) والقيء (٣). وكذلك إذا ظهر المسروقُ عند السارق كان أولى بالحدِّ من ظهور الحبل والرائحة في الخمر. وكلُّ ما يمكن أن يقال في ظهور المسروق أمكن أن يقال في الحَبَل والرائحة، بل أولى، فإن الشبهة التي تعرض في الحبل من الإكراه ووطء الشبهة وفي الرائحة لا يعرض مثلُها في ظهور العين المسروقة. والخلفاء الراشدون والصحابة - رضي الله عنهم - لم يلتفتوا إلى هذه الشبهة التي (٤) تجويزُ غلطِ الشاهد ووهمِه وكذبِه أظهرُ منها بكثير، فلو عُطِّل الحدُّ بها لكان تعطيله بالشبهة التي تُمكن (٥) في شهادة الشاهدين أولى. فهذا محض الفقه والاعتبار ومصالح العباد، وهو من أعظم الأدلة على جلالة فقه الصحابة وعظمته، ومطابقتِه لمصالح العباد [٥٩/أ] وحكمةِ الربِّ وشرعِه، وأن التفاوت الذي بين أقوالهم وأقوال مَن بعدهم كالتفاوت الذي بين القائلين.

والمقصود: أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يرُدَّ خبرَ العدل قطُّ، لا في رواية ولا في شهادة، بل قبِل خبر العدل الواحد في كلِّ موضع أخبر


(١) أخرجه البخاري (٦٨٢٩) عن عمر، وابن أبي شيبة (٢٩٤١٥ - ٢٩٤١٧) عن علي.
(٢) روى النسائي (٥٧٠٨) أثرًا في هذا عن عمر - رضي الله عنه -، وسنده صحيح. وانظر أثر ابن مسعود في "صحيح البخاري" (٥٠٠١) ومسلم (٨٠١).
(٣) انظر قصة جلد الوليد بن عقبة بأمر عثمان بن عفان في حديث مسلم (١٧٠٧).
(٤) ح، س، ت: "التي هي". والمثبت من ع، وكذا في الطبعات القديمة (ولعل "إلى" مكان "التي" خطأ مطبعي في نشرة الوكيل). وأثبت في المطبوع: "التي هي إلى"، فاختلَّ السياق!
(٥) في المطبوع: "تكمن".