للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقوبة إلى غير الجاني، وذلك لا يجوز كما لا يجوز عقوبة الحامل. ومنها: عقوبة من أساء على الأمير في الغزو بحرمان سلَب القتيل لمن قتله، حيث شفع فيه هذا المسيء، وأمر الأمير بإعطائه، فحرم المشفوع له عقوبةً للشافع الآمر (١).

وهذا الجنس من العقوبات نوعان: نوع مضبوط، ونوع غير مضبوط. فالمضبوط ما قابل المتلَفَ، إما لحقِّ الله كإتلاف الصيد في الإحرام، أو لحقِّ الآدمي كإتلاف ماله. وقد نبَّه الله سبحانه على أن تضمين الصيد متضمِّن للعقوبة بقوله: {{لِيَذُوقَ وَبَالَ [٣٠٨/أ] أَمْرِهِ}. ومنه: مقابلة الجاني بنقيض قصده من الحرمان، كعقوبة القاتل لمُورِثه (٢) بحرمان ميراثه، وعقوبة المدبَّر إذا قتَل سيِّدَه ببطلان تدبيره، وعقوبة الموصَى له ببطلان وصيته. ومن هذا الباب: عقوبة الزوجة الناشز (٣) بسقوط نفقتها وكسوتها.

وأما النوع الثاني غير المقدَّر، فهو الذي يدخله اجتهاد الأئمة بحسب المصالح. ولذلك لم تأت فيه الشريعة بأمرٍ عامٍّ وقدرٍ لا يزاد فيه ولا ينقص كالحدود. ولهذا اختلف الفقهاء فيه: هل حكمه منسوخ أو ثابت؟ والصواب أنه يختلف باختلاف المصالح، ويرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة في كلِّ زمان ومكان بحسب المصلحة، إذ لا دليل على النسخ، وقد فعله الخلفاء الراشدون ومَن بعدهم من الأئمة.


(١) يشير إلى قصة عوف بن مالك وخالد بن الوليد. أخرجها مسلم (١٧٥٣) من حديث عوف.
(٢) ما عدا ع: «لموروثه».
(٣) ع: «الناشزة»، وكذا في الطبعات القديمة.