للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مال الآخر ضائعًا، وكل منهما فساد محض، والمصلحة في خلافه ظاهرة. والمؤمنون يرون قبيحًا أن يذهب عملُ هذا ضائعًا ومال هذا ضائعًا، ويرون من أحسن الحسن أن يَسلَم مال هذا وينجح سعي هذا، والله الموفق.

المثال الحادي والسبعون: ردُّ السنة الثابتة الصريحة المحكمة في صحة (١) ضمان دَين الميت الذي لم يُخلِّف وفاء، كما في «الصحيحين» عن أبي قتادة قال: [١٢٩/أ] أُتِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة ليصلّي عليها، فقال: «أعليه دين؟» فقالوا: نعم، ديناران، فقال: «أتركَ لهما وفاءً؟» قالوا: لا، قال: «صلُّوا على صاحبكم»، فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله، فصلَّى عليه (٢).

فردّت هذه السنة برأي لا يقاومها، وهو أن الميت قد خَرِبتْ ذمته؛ فلا يصح ضمان شيء خراب في محل خراب، بخلاف الحي القادر فإن ذمته بصدد العمارة، فصحَّ ضمان دينه وإن لم يكن له (٣) وفاء في الحال، وأما إذا خلَّف وفاء فإنه يصح الضمان تنزيلًا لذمته بما خلَّفه من الوفاء منزلةَ الحي القادر. قالوا: وأما الحديث فإنما هو إخبار عن ضمان متقدم على الموت؛ فهو إخبار منه بالتزام سابق، لا إنشاء للالتزام حينئذٍ.


(١) «صحة» ليست في د.
(٢) رواه النسائي (١٩٦٢) والترمذي (١٠٦٩) وأحمد (٢٢٥٤٣)، وصححه الترمذي وابن حبان (٣٠٥٨). وأخرجه أبو داود (٣٣٤٣) من حديث جابر، وصححه ابن حبان (٣٠٦٤) والحاكم (٢/ ٥٨). وأما البخاري (٢٢٨٩) فرواه من حديث سلمة بن الأكوع بلفظ: «قالوا عليه ثلاثة دنانير». وأخرجه مسلم (١٦١٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) «له» ليست في ت.