للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا في شرع. ولهذا لو نهى الطبيبُ المريضَ عما يؤذيه وحَماه منه فتحيَّل على تناولِه عُدَّ متناولًا لنفس ما نهى عنه. ولهذا مسخ الله سبحانه اليهود قِردةً لما تحيَّلوا على فعل ما حرمه الله عليهم، ولم يعصمهم (١) من عقوبته إظهار الفعل المباح لما توسَّلوا به إلى ارتكاب محارمه. ولهذا [٣٨/أ] عاقب أصحاب الجنة بأن حَرَمَهم ثمارَها لما توسَّلوا بجَدادِها مُصبِحين إلى إسقاط نصيب المساكين. ولهذا لُعِن اليهود لما أكلوا ثمن ما حُرِّم عليهم أكله (٢)، ولم يعصمهم التوسل إلى ذلك بصورة البيع. وأيضًا فإن اليهود لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها، فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم وتنتقل إلى اسم الوَدَك، فلما تحيَّلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك.

قال الخطابي (٣): في هذا الحديث بطلانُ كل حيلة يحتال بها المتوصِّل (٤) إلى المحرَّم؛ فإنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه.

قال شيخنا (٥): ووجه الدلالة ما أشار إليه الإمام أحمد أن اليهود لما حرّم الله عليهم الشحوم أرادوا الاحتيالَ على الانتفاع بها على وجه لا يقال في الظاهر إنهم انتفعوا بالشحم، فجَملوه وقصدوا بذلك أن يزول عنه اسم الشحم، ثم انتفعوا بثمنه بعد ذلك لئلا يكون الانتفاع في الظاهر بعين المحرم، ثم مع كونهم احتالوا بحيلة خرجوا بها في زعمهم من ظاهر


(١) في النسختين: «ولم يعصمه».
(٢) رواه البخاري (٢٢٢٣) ومسلم (١٥٨٢) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٣) في «معالم السنن» (٥/ ١٢٩).
(٤) في «المعالم»: «للتوصُّل».
(٥) في «بيان الدليل» (ص ٥٧، ٥٨).