للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا قال بعض السلف (١): الأمر أمران: أمر فيه حيلة فلا تَعجِزْ عنه، وأمر لا حيلة فيه فلا تَجْزَعْ منه.

فصل

القسم الثالث: أن يحتال على التوصُّل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم تُوضع مُوصِلةً إلى ذلك، بل وُضِعت لغيره، فيتخذها هو طريقًا إلى هذا المقصود الصحيح، أو تكون قد وُضِعت له لكن تكون خفيةً لا يُفطَن لها.

والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن الطريق في الذي قبله نُصِبْت مُفضِيةً إلى مقصودها ظاهرًا، فسالكها سالك للطريق المعهود. والطريق في هذا القسم نُصِبتْ مُفضِيةً إلى غيره، فيتوصل بها إلى ما لم تُوضَع له؛ فهي في الفعال كالتعريض الجائز في المقال، أو تكون مفضية إليه لكن بخفاء، ونذكر لذلك أمثلةً يُنتفع بها في هذا الباب (٢).

المثال الأول: إذا استأجر منه دارًا مدةَ سنين بأجرة معلومة، فخاف أن يغدر به المُكرِي في آخر المدة ويتسبب إلى فسخ الإجارة: بأن يُظهِر أنه لم تكن له ولايةُ الإيجار (٣)، أو أن المُؤجَر مِلكٌ لابنه أو امرأته، أو أنه كان مُؤجَرًا قبل إيجاره، ويُبيِّن أن المقبوض أجرة المثل لما استوفاه من المدة


(١) ذكره شيخ الإسلام بلا نسبة في «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣٢٠، ١٠/ ٥٠٧) و «جامع الرسائل» (٢/ ١٣٦)، ونسبه في «مجموع الفتاوى» (١٦/ ٣٩) إلى ابن المقفع أو غيره.
(٢) ذكر المؤلف أكثر هذه الأمثلة في «إغاثة اللهفان» (٢/ ٦٦٧ - ٧٦١).
(٣) ك: «الإجار».