للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه له الخلق والأمر، ولا تبديلَ لخلق الله، ولا تغييرَ لحكمه. فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامَها بل يُجرِيها على سببها وما خلقت له؛ فهكذا الأسباب الشرعية لا يُخرِجها عن سببها وما شُرِعت له، بل هذه سنته أمرًا وشرعًا، وتلك سنته قضاء وقدرًا، وسنته الأمرية قد تُبدَّل وتُغيَّر كما يُعصَى (١) أمرُه ويُخالَف، وأما سنته القدرية فلن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنة الله تحويلًا، وكما لا يُعصَى أمره الكوني القدري.

ويدخل في هذا القسم التحيُّلُ على جلب المنافع وعلى دفع المضار، وقد ألهم الله سبحانه ذلك لكل حيوان؛ فلأنواع الحيوانات من أنواع الحيل والمكر ما لا يهتدي إليه بنو آدم.

وليس كلامنا ولا كلام السلف في ذم الحيل متناولًا لهذا القسم، بل العاجز من عجَزَ عنه، والكيِّس من كان به أفطَنَ وعليه أقدَرَ، ولا سيّما في الحرب فإنها خدعة. والعجزُ كلُّ العجز ترك هذه الحيلة. والإنسان مندوب إلى الاستعاذة [١١١/ب] بالله من العجز والكسل؛ فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة، والكسل عدم الإرادة لفعلها؛ فالعاجز لا يستطيع الحيلة، والكسلان لا يريدها. ومن لم يحتَلْ وقد أمكنتْه هذه الحيلةُ أضاع فرصتَه وفرَّط في مصالحه، كما قال (٢):

إذا المرءُ لم يَحْتَلْ وقد جَدَّ جِدُّه ... أضاعَ وقاسَى أمرَه وهْوَ مُدْبِرُ


(١) ك: «يقضى»، تصحيف هنا وفيما يأتي.
(٢) قاله الشاعر الجاهلي تأبّط شرًّا في قصيدة له، كما في «حماسة أبي تمام» (١/ ٧١) و «الاختيارين» (ص ٢٩٥) و «الأغاني» (٢١/ ١٤٠) وغيرها.