للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضِّحه أنَّ مَن شرَط التعزُّبَ فإنما قصد أن تركَه (١) أفضلُ وأحبُّ إلى الله، فقصد أن يتعبَّد الموقوفُ عليه بتركه. وهذا هو الذي تبرَّأ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منه بعينه فقال: «من رغب عن سنتي فليس مني» (٢). وكان قصدُ أولئك الصحابة هو قصد هؤلاء الواقفين بعينه سواء، فإنهم قصدوا تربية (٣) أنفسهم على العبادةِ وتركِ النكاح الذي يشغلهم، تقرُّبًا إلى الله بتركه، فقال النبي صلى الله [١٨٩/أ] عليه وسلم فيهم ما قال، وأخبر أنه من رغب عن سنته فليس منه. وهذا في غاية الظهور، فكيف يحِلُّ الإلزام بترك شيءٍ قد أخبر به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ من رغب عنه فليس منه؟ هذا مما لا تحتمله الشريعة بوجه.

فالصواب الذي لا تسوِّغ الشريعةُ غيرَه: عرضُ شروط الواقفين على كتاب الله وعلى شرطه، فما وافق كتابَه وشرطَه فهو صحيح، وما خالفه كان شرطًا باطلًا مردودًا، ولو كان مائة شرط (٤). وليس ذلك بأعظم من ردِّ حكمِ


(١) كذا في النسخ، يعني: ترك النكاح.
(٢) رواه البخاري (٥٠٦٣) ومسلم (١٤٠١) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٣) ت، ع: «ترفية»، وكذا في ح دون إعجام. وفي س: «ترفيه» بالهاء. وكذا في النسخ المطبوعة بالتاء أو الهاء. ووضع ناسخ ف علامة «ظ» على الكلمة في النسخة، وكتب في طرَّتها «تربية» مع علامة «ظ» أيضًا. وما اقترحه أقرب، وإن كان المؤلف يستعمل في هذا السياق كلمة «التوطين». انظر مثلًا: «أحكام أهل الذمة» (٢/ ١١٥٢، ١١٥٣، ١١٥٥) و «الفوائد» (ص ١٩٩) و «إغاثة اللهفان» (١/ ١١٣).
(٤) كما في البخاري (٢١٥٥) ومسلم (١٥٠٤/ ٨) وغيرهما.