للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخاتم النبيين، عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده. فكان (١) يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦]. فكانت فتاويه - صلى الله عليه وسلم - جوامعَ الأحكام، ومشتملةً على فصل الخطاب. وهي في وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانيةُ الكتاب. وليس لأحد من المسلمين العدول عنها ما وجد إليها سبيلًا، وقد أمر الله عباده بالردِّ إليها حيث يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩].

فصل

ثم قام بالفتوى بعده يَزَكُ (٢) الإسلام وعِصابة الإيمان، وعسكر القرآن،


(١) ع: "وكان".
(٢) في النسخ المطبوعة: "بَرْك". وقد فسَّرها الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، فقال: "بفتح الباء وسكون الراء، أصله صدر الإنسان، وجماعة الإبل. ويجوز أن يكون مأخذ هذا اللفظ من كل واحد من هذين المعنيين، فإن البلغاء يطلقون على المقدّم من القوم لفظ الصدر، فهم يقولون: فلان صدر الأفاضل. وقد يشتقون منه فيقولون: تصدّر فلان قومه، كما يشبهون الرجل الجلد القوي بالجمل". وتابعه من جاء بعده. والصواب ما أثبتنا من النسخ الخطية. وقد ضبط في (ح) بفتح الياء والزاي. وهي كلمة فارسية، معناها: طلائع الجيش، وتطلق على الحرس والعَسَس أيضًا. انظر: "برهان قاطع" للتبريزي (٤/ ٢٤٣٢). وقد شرحتها في نونية ابن القيم في التعليق على قوله:
ورأيتُ أعلامَ المدينة حولها ... يَزَكُ الهدى وعساكرُ القرآنِ
وقال فيها أيضًا (٢/ ٥٨٩):
يزَكٌ على الإسلام بل حِصنٌ له ... يأوي إليه عساكرُ الفرقانِ
وقال أيضًا (٢/ ٦٧١):
لكن أقام له الإله بفضله ... يَزَكًا من الأنصار والأعوانِ

وستأتي في هذا الكتاب مرة أخرى. وانظر أيضًا: "الوابل الصيب" (ص ٥٤) و"بدائع الفوائد" (٢/ ٧٦٩، ٧٧٠).