للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صح عن ابن عمر (١) أنه استفتى ابن مسعود في «البتّة» وأخذ بقوله (٢)، ولم يكن ذلك تقليدًا له، بل لما سمع قوله فيها تبيَّن له أنه الصواب. فهذا هو الذي كان يأخذ به الصحابة من أقوال بعضهم بعضًا (٣)، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: اغْدُ عالمًا أو متعلمًا، ولا تكوننَّ إمَّعَةً (٤)، فأخرجَ الإمّعة ــ وهو المقلّد ــ من زمرة العلماء والمتعلمين، وهو كما قال - رضي الله عنه -؛ فإنه لا مع العلماء ولا مع المتعلمين للعلم والحجة، كما هو معروف ظاهر لمن تأمَّله.

الوجه الثامن والثلاثون: قولهم: «إن عبد الله كان يدَع قوله لقول عمر، وأبو موسى كان (٥) يدع قوله لقول علي، وكان زيد (٦) يدع قوله لقول أبي بن كعب» (٧)، فجوابه أنهم لم يكونوا يدَعون ما يعرفونه من السنة تقليدًا لهؤلاء الثلاثة كما تفعله فرقة التقليد، بل من تأمّل سيرة القوم رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة لم يكونوا يدعونها لقول أحدٍ كائنًا من كان، وكان ابن عمر يدع قول عمر إذا ظهرت له السنة (٨)، وابن عباس ينكر على من يعارض ما


(١) في الإحكام (٤/ ٢١٤): (أن عمر استفتى ابن مسعود) وما ذكر أعلاه أن المستفتي هو ابن عمر، ليس بصواب، وسياق الكلام الذي قبله يدل عليه.
(٢) ذكره ابن حزم في «الإحكام» (٤/ ٢١٤) بدون إسناد.
(٣) «فهذا ... بعضًا» ساقطة من ت.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) «كان» ليست في ت، د.
(٦) «كان زيد» ساقطة من ت.
(٧) تقدم تخريجه.
(٨) من ذلك ما روي عن عمر أنه قال: «الخطبة موضع الركعتين، من فاتته الخطبة صلى أربعًا» رواه عبد الرزاق (٥٤٨٥) وابن أبي شيبة (٥٣٧٤)، وإسناده منقطع؛ لأن عمرو بن شعيب لم يدرك عمر، وخالفه ابنه فقال: «إذا أدرك الرجل ركعة يوم الجمعة صلى إليها أخرى ... » رواه عبد الرزاق (٥٤٧١) وإسناده صحيح، ودليل هذا القول ثابت في السنة عند النسائي (٥٥٣)، والترمذي (٥٢٤) وصححه، وابن ماجه (١١٢٢)، وصححه ابن خزيمة (١٨٤٨) وابن حبان (١٤٨٣) والحاكم (١/ ٢٩١).