للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: قول من يقول: موجبها الضرب مجموعًا أو مفرَّقًا، ثم منهم من يشترط مع الجمع الوصول إلى المضروب؛ فعلى هذا تكون هذه (١) الفتيا موجب هذا اللفظ عند الإطلاق، وليس هذا بحيلة، إنما الحيلة أن يصرف اللفظ عن موجبه عند الإطلاق.

والقول الثاني: أن موجبه الضرب المعروف (٢)، وإذا كان هذا موجبه في شرعنا لم يصح الاحتجاج علينا بما يخالف شرعًا من شرائع من قبلنا؛ لأنا إن قلنا: «ليس شرعًا لنا مطلقًا» فظاهر، وإن قلنا: «هو شرعٌ لنا» فهو مشروط بعدم مخالفته لشرعنا، وقد انتفى الشرط.

وأيضًا فمن تأمَّل الآية علم أن هذه الفتيا خاصّةُ الحكم؛ فإنها لو كانت عامةَ الحكم في حق كل أحدٍ لم يَخْفَ على نبي كريم موجبُ يمينه، ولم يكن في اقتصاصها علينا كبيرُ عبرةٍ؛ فإنما يُقصُّ ما خرج عن نظائره لنعتبر به ونستدلّ به على حكمة الله فيما قصَّه علينا، أما ما كان هو مقتضى العادة والقياس فلا يُقَصُّ، ويدل على الاختصاص قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: ٤٤]. وهذه الجملة خرجت مخرج التعليل كما في نظائرها؛ فعُلِم أن الله سبحانه وتعالى إنما أفتاه بهذا جزاءً له على صبره، وتخفيفًا عن امرأته، ورحمةً بها، لا أن هذا موجب هذه اليمين.

وأيضًا فإن الله سبحانه إنما أفتاه بهذه الفتيا لئلا يحنَثَ، كما أخبر سبحانه. وهذا يدلُّ على أن كفارة الأيمان لم تكن مشروعةً بتلك الشريعة، بل


(١) «هذه» ليست في د.
(٢) كذا في النسختين. وفي «بيان الدليل»: «المفرّق».