للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا بعض ما تضمَّنه هذا المثل العظيم الجليل من الأسرار والحكم. ولعلها قطرة من بحر، بحسب أذهاننا الواقفة، وقلوبنا المخبَّطَة (١)، وعلومنا القاصرة، وأعمالنا التي توجب التوبة والاستغفار؛ وإلا فلو طهرت منَّا القلوب، وصَفَت الأذهان، وزَكَت النفوس، وخلَصت الأعمال، وتجرَّدت الهمم للتلقي عن الله ورسوله= لَشاهدنا من معاني كلام الله وأسراره وحِكَمه ما تضمحلُّ عنده العلوم، وتتلاشى عنده معارف الخلق. وبهذا يُعرف (٢) قدرُ علوم الصحابة ومعارفهم، وأن التفاوت الذي بين علومهم وعلوم مَن بعدهم كالتفاوت الذي بينهم في الفضل. والله أعلم حيث يجعل مواقعَ فضله، ومَن يختصّ برحمته.

فصل

ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة [١٠٣/أ] فشبَّهها بالشجرة الخبيثة التي اجْتُثَّت من فوق الأرض (٣). فلا عرق ثابت، ولا فرع عال، ولا ثمرة


(١) ت: "المخيطة"، تصحيف. وفي طبعات الشيخ محمد محيي الدين ومن تابعه: "المخطئة". وهو خطأ. في "اللسان" (٧/ ٢٨٢): "خَبَطه الشيطان وتخبَّطه: مسَّه بأذًى وأفسده". ولم تنص كتب اللغة على "خبّطَ" بهذا المعنى، وقد استعمله المصنف في قوله في النونيَّة (٢/ ٢٣٧):
فعليك بالتفصيل والتمييز فَالْـ ... إطلاقُ والإجمالُ دون بيانِ
قد أفسدا هذا الوجودَ وخبَّطا الْـ ... الأذهانَ والآراءَ كلَّ زمانِ

وذكر هذا المعنى في "الصواعق المرسلة" (٣/ ٩٢٧)، فقال: "فأصل ضلالِ بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، ولاسيَّما إذا صادفت أذهانًا مخبَّطَةً". فوصف الأذهان بالمخبطة كما وصف هنا القلوب.
(٢) في النسخ المطبوعة: "تعرف".
(٣) في النسخ المطبوعة هنا زيادة: "ما لها من قرار".