للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند الله لطابق السنةَ أعظمَ مطابقة، ولم يخالف أصحابه حديثًا واحدًا منها، ولكانوا أسعدَ بها من أهل الحديث، فَلْيُرُوا أهلَ الحديث والأثر حديثًا واحدًا صحيحًا قد خالفوه، كما أريناهم آنفًا ما خالفوه من السنة بجريرة القياس!

قالوا: وقد أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب وعلينا بعدهم أن لا نقول على الله إلا الحقَّ، فلو كانت هذه الأقيسة المتعارضة المتناقضة التي ينقض بعضُها بعضًا، بحيث لا يدري الناظر فيها أيُّها الصواب= حقًّا لكانت متفقةً يصدِّق بعضُها بعضًا كالسنَّة التي يصدِّق بعضُها بعضًا.

وقال تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [يونس: ٨٢]. [فأخبر أنه سبحانه إنما يحقُّ الحقَّ بكلماته] (١) لا بآرائنا ولا مقاييسنا (٢). وقال: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: ٤]، فما لم يقله سبحانه ولا هدى إليه فليس من الحق. وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: ٥٠]. فقسم الأمور إلى قسمين (٣) لا ثالث لهما: اتباع لما دعا إليه الرسول، واتباع الهوى.

فصل (٤)

والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يدعُ أمته إلى القياس قطُّ، بل قد صحَّ عنه أنه أنكر على عمر وأسامة محضَ القياس في شأن الحُلَّتين اللتين أرسل بهما إليهما،


(١) ما بين الحاصرتين جاء في طرر النسخ ما عدا س، ع مع علامة "صح"، وجائز أن يكون قد سقط لانتقال النظر، وإن كانت العبارة مستقيمة دونها.
(٢) في النسخ المطبوعة: "ولامقايسينا" بتكرار "لا".
(٣) ع: "الأمور قسمين"، وكذا في المطبوع.
(٤) قارن هذا الفصل بكتاب "الإحكام" لابن حزم (٨/ ٢٢ - ٢٦).