للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلبِسها أسامة قياسًا لِلُّبس على التملُّك والانتفاع والبيع [١٥٠/أ] وكسوتها لغيره، وردَّها عمر قياسًا لتملُّكها على لُبسها. فأسامة أباح، وعمر حرَّم قياسًا. فأبطل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كلَّ واحد من القياسين، وقال لعمر: "إنما بعثتُ بها إليك لتستمتع بها"، وقال لأسامة: "إنِّي لم أبعث بها (١) إليك لتلبسَها، ولكن بعثتُ بها إليك لِتشقِّقَها خُمُرًا بين نسائك (٢) " (٣). والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تقدَّم إليهم في الحرير بالنصِّ على تحريم لُبسه فقط، فقاسا قياسًا أخطآ فيه، فأحدهما قاس اللُّبسَ على الملك، وعمر قاس التملُّكَ على اللُّبس. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن ما حرَّمه من اللبس لا يتعدَّى إلى غيره، وما أباحه من التملُّك لا يتعدَّى إلى اللبس. وهذا عين إبطال القياس (٤).

وصحَّ عنه (٥) ما رواه أبو ثعلبة الخُشَني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله فرض فرائض فلا تضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدُوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غيرَ نسيانٍ فلا تبحثوا عنها". وهذا الخطاب كما يعُمُّ أولُه للصحابة ولمن بعدهم فهكذا آخرُه، فلا يجوز أن نبحث عما سكت عنه لنحرِّمه أو نوجبه (٦).


(١) ع: "أبعثها"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) في النسخ المطبوعة: "لنسائك".
(٣) أخرجه البخاري (٨٨٦) ومسلم (٢٠٦٨) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٤) انظر: "الإحكام" لابن حزم (٨/ ٢٣ - ٢٤).
(٥) تقدّم أنه لم يصح، وهو حديث منقطع مُعَلٌّ. وأخرجه ابن حزم في "الإحكام" (٨/ ٢٤ - ٢٥) ولم يصحّحه.
(٦) في النسخ المطبوعة: "ليحرمه أو يوجبه"، وحرف المضارع مهمل في النسخ إلا س ففيها: "لتحريمه أو توجبه"، وهو تصحيف.