للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسبَّب، ومُوجِب مقتضٍ لا مقتضًى. فما شاء الله وجب وجوده، وما لم يشأ امتنع وجوده (١).

فصل

ومنها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٢].

وهذا من أحسن القياس التمثيلي، فإنه شبَّه تمزيقَ عِرْض الأخ بتمزيق لحمه. ولما كان المغتابُ يمزِّق عرضَ أخيه في غَيبته كان بمنزلة من يقطِّع لحمَه في حال غيبة روحه عنه بالموت. ولما كان المغتاب عاجزًا عن دفعه عن نفسه بكونه غائبًا عن ذمِّه [٩٩/ب] كان بمنزلة الميِّت الذي يقطَّع لحمُه، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه. ولما كان مقتضى الأخوة التراحم والتواصل والتناصر، فعلَّق عليها المغتابُ ضدَّ مقتضاها من الذم والعيب والطعن= كان ذلك نظير تقطيعه (٢) لحمَ أخيه، والأخوةُ تقتضي حفظه وصيانته والذبَّ عنه. ولما كان المغتاب متفكِّهًا بعرض أخيه، متمتِّعًا (٣) بغيبته وذمه، متحلِّيًا بذلك= شُبِّه بآكل لحم أخيه بعد تقطيعه. ولما كان المغتاب محبًّا لذلك معجَبًا به شُبِّه بمن يحبُّ أكلَ لحم أخيه ميتًا، ومحبتُه لذلك قدر زائد على


(١) وانظر في تفسير المثل أيضًا: "روضة المحبين" (ص ٢٨٨ - ٢٨٩)، و"الفوائد" (ص ١٤٧ - ١٤٩).
(٢) في النسخ المطبوعة: "تقطيع".
(٣) "بعرض أخيه متمتعًا" ساقط من ع. وفي النسخ المطبوعة: "متمتعًا بعرض أخيه، متفكهًا بغيبته وذمه".