للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجتهد في أحكام النوازل، يقصد (١) فيها موافقةَ الأدلة الشرعية حيث كانت. ولا ينافي اجتهادُه تقليدَه لغيره أحيانًا، فلا تجد أحدًا من الأئمة إلا وهو مقلِّد من هو أعلم منه في بعض الأحكام. وقد قال الشافعي في موضع من الحج: قلته تقليدًا لعطاء (٢). فهذا النوع الذي يسوغ لهم الإفتاء، ويسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرض الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلِّ مائة سنة مَن يجدِّد لها دينها» (٣) وهم غرس الله الذين لا يزال يغرسهم في دينه، وهم الذين قال فيهم علي بن أبي طالب: لن تخلو الأرض من قائمٍ لله بحجته (٤).

فصل

النوع الثاني: مجتهد مقيَّد في مذهب من ائتمَّ به. فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومآخذه وأصوله، عارف بها، متمكِّن من التخريج عليها وقياس ما لم ينُصَّ من ائتمَّ به عليه على منصوصه، من غير أن يكون مقلِّدًا لإمامه، لا في الحكم ولا في الدليل؛ لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتَّبه وقرَّره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معًا.

وقد ادَّعى هذه المرتبة [٢٠٤/ب] من الحنابلة القاضي أبو يعلى، والقاضي أبو علي بن أبي موسى في «شرح الإرشاد» الذي له، ومن الشافعية


(١) تصحف في ك، ب إلى «بقصده».
(٢) تقدَّم غير مرَّة.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم أيضًا.