للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أخذ الرزق من بيت المال، فإن كان محتاجًا إليه جاز له ذلك. وإن كان غنيًّا عنه، ففيه وجهان. وهذا فرع متردِّد بين عامل الزكاة وعامل اليتيم، فمن ألحقه بعامل الزكاة قال: النفع فيه عامٌّ، فله الأخذ. ومن ألحقه بعامل اليتيم منَعه من الأخذ. وحكمُ القاضي في ذلك حكمُ المفتي، بل القاضي أولى بالمنع. والله أعلم.

الفائدة السادسة والأربعون: إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى، فإن ذكرها وذكر مستندها، ولم يتجدَّد له ما يوجب تغيُّرَ اجتهاده أفتى بها من غير نظر ولا اجتهاد. وإن ذكرها ونسي مستندها، فهل له أن يفتي بها دون تجديد نظر واجتهاد؟ فيه وجهان لأصحاب الإمام أحمد والشافعي (١). أحدهما: أنه يلزمه تجديد النظر، لاحتمال تغيُّر اجتهاده وظهور ما كان خافيًا عنه. والثاني: لا يلزمه تجديد النظر، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. وإن ظهر له ما يغيِّر اجتهاده لم يجُز له البقاء على القول الأول، ولا يجب عليه نقضه. ولا يكون اختلافه مع نفسه قادحًا في علمه، بل هذا من كمال علمه وورعه. ولأجل هذا خرج عن الأئمة في المسألة قولان فأكثر.

وسمعت شيخنا رحمه الله تعالى يقول: حضرتُ عقدَ مجلسٍ عند نائب السلطان في وقفٍ، أفتى فيه قاضي البلد بجوابين مختلفين. فقُرئ (٢) جوابه الموافق للحقِّ، فأخرج بعض الحاضرين جوابه الأول، وقال: هذا جوابك


(١) انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص ١١٧)، و «صفة الفتوى» (ص ٣٧)، و «المسودة» (ص ٥٤٢).
(٢) كذا رسمها في النسخ الخطية، وفي النسخ المطبوعة: «قرأ».