للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالله سبحانه هو المعطي على لسانه، وهو يَقسِم ما يقسمه (١) بأمره.

وكذلك قوله في العزل: «فسيأتيها ما قُدِّر لها»، ليس فيه إسقاط الأسباب؛ فإن الله سبحانه إذا قدَّر خلق الولد سبق من الماء ما يخلق منه الولد ولو كان أقلَّ شيء، فليس من كل الماء يكون الولد، ولكن أين في السنة أن الوطء لا تأثير له في الولد البتةَ وليس سببًا له، وأن الزوج أو السيد إن وطئ أو لم يطأ فكلا الأمرين بالنسبة إلى حصول الولد وعدمه على حدٍّ سواء كما يقوله منكرو الأسباب؟

وكذلك قوله: «لا عدوى ولا طِيَرة» لو كان المراد به نفي السبب كما زعمتم لم يدلَّ على نفي كل سبب، وإنما غايته أن هذين الأمرين ليسا من أسباب الشر، كيف والحديث لا يدلُّ على ذلك؟ وإنما ينفي ما كان المشركون يثبتونه من سببية مستمرة على طريقة واحدة لا يمكن إبطالها ولا صرفُها عن محلّها ولا معارضتُها بما هو أقوى منها، لا كما يقوله من قصر علمُه: إنهم كانوا يرون ذلك فاعلًا مستقلًّا بنفسه.

فالناس في الأسباب لهم ثلاثة طرق:

إبطالها بالكلية.

وإثباتها على وجهٍ لا يتغير، ولا يقبل سلب سببيتها ولا معارضتها بمثلها أو أقوى منها، كما يقوله الطبائعية والمنجِّمون والدهرية.

والثالث ما جاءت به الرسل ودلَّ عليه الحس والعقل والفطرة: إثباتها أسبابًا، وجوازُ ــ بل وقوعُ ــ سلْبِ سببيتها عنها إذا شاء الله، ودفْعها بأمور


(١) ت: «قسمه».