للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]، فغاب عنهم فقه الآية وفهمها، والآية من أكبر معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، والخطاب بها خاص لأهل بدر.

وكذلك القبضة التي رمى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأوصلها الله سبحانه إلى جميع وجوه المشركين (١)، وذلك خارج عن قدرته - صلى الله عليه وسلم -، وهو الرمي الذي نفاه عنه، وأثبت له الرمي الذي هو في محلّ قدرته وهو الخَذْف، وكذلك القتل الذي نفاه عنهم هو قتل لم تباشره أيديهم، وإنما باشرته أيدي الملائكة، فكان أحدهم يشتدُّ في أثر الفارس وإذا برأسه قد وقع أمامه من ضربة الملك، ولو كان المراد ما فهمه هؤلاء الذين لا فقه لهم في فهم النصوص لم يكن فرقٌ بين ذلك وبين كل قتلٍ وكل فعلٍ من شربٍ أو زنا أو سرقة أو ظلم، فإن الله خالق الجميع، وكلام الله يُنزَّه عن هذا.

وكذلك قوله: «ما أنا حملتُكم ولكن الله حملَكم»، لم يُرد أن الله (٢) حملهم بالقدر، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - متصرّفًا بأمر الله منفِّذًا له (٣)، [٦٢/أ] فالله سبحانه أمره بحملهم فنفّذ أوامره، فكأن الله هو الذي حملهم. وهذا معنى قوله: «والله إني لا أُعطي أحدًا شيئًا ولا أمنعُه»، ولهذا قال: «وإنما أنا قاسم»،


(١) رواه الطبري (١١/ ٨٦) من قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث متكلم فيه، وللقصة مراسيل تقويها. انظر: «السيرة النبوية» (٢/ ٤٣١ - ٤٣٥).
(٢) د: «أنه».
(٣) «له» ليست في د.