للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي نَدِينُ الله به ولا يسعُنا غيره وهو القصد في هذا الباب: أن الحديث إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذُ بحديثه وتركُ كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنًا من كان لا راويه ولا غيره؛ إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو لا يحضره وقتَ الفتيا، أو لا يتفطّن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلًا مرجوحًا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضًا في نفس الأمر، أو يقلّد غيرَه في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه. ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله ــ ولا سبيلَ إلى العلم بانتفائه ولا ظنه ــ لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوطَ عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك.

فصل

إذا عُرِف هذا فهذه المسألة مما تغيَّرت الفتوى بها بحسب الأزمنة كما عرفت؛ لِما رآه الصحابة من المصلحة؛ لأنهم رأوا مفسدةَ تتابُعِ الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم، فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع. ولم يكن باب التحليل الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلَه مفتوحًا بوجهٍ ما، بل كانوا أشدَّ خلق الله في المنع منه، وتواعد عمر فاعلَه بالرجم، وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره. وأما في هذه الأزمان التي قد شَكَت الفروجُ فيها إلى ربها من مفسدة التحليل، وقُبْحِ ما يرتكبه المحلّلون مما هو رَمَدٌ بل عمًى في عين الدين وشَجًى في حلوق المؤمنين، من قبائحَ تُشْمِتُ أعداء الدين به وتَمنع كثيرًا ممن يريد الدخول فيه بسببه،