للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]. وفهم الصحابة والتابعون ومن بعدهم من ذلك أنه ضربات متفرقة لا مجموعة، إلا أن يكون المضروب معذورًا عذرًا لا يُرجى زواله؛ فإنه يُضرب ضربًا مجموعًا، وإن كان يرجى زواله فهل يؤخَّر إلى الزوال أو يُقام عليه مجموعًا؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فكيف يقال: إن الحالف ليضربنّ موجب يمينه [٧١/ب] هو الضرب المجموع مع صحة المضروب وقوته؟ فهذه الآية هي أقوى ما يعتمد عليه أرباب الحيل، وعليها بَنَوا حيلهم، وقد ظهر بحمد الله أنه لا متمسَّكَ لهم فيها البتةَ.

فصل

وأما إخباره سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه جعل صُواعه في رَحْل أخيه ليتوصَّل بذلك إلى أخذه وكيد إخوته، فنقول لأرباب الحيل أولًا: هل تجوِّزون أنتم مثل هذا حتى يكون حجةً لكم؟ وإلا فكيف تحتجُّون بما لا تجوِّزون فعلَه؟، فإن قلتم: فقد كان جائزًا في شريعته، قلنا: وما ينفعكم إذا لم يكن جائزًا في شرعنا؟

قال شيخنا (١) - رضي الله عنه -: ومما قد يُظَنّ أنه من جنس الحيل التي بيَّنا تحريمها وليس من جنسها قصة يوسف، حين كاد الله له في أخذ أخيه كما قصَّ ذلك سبحانه في كتابه، فإن فيها ضروبًا من الحيل الحسنة:

أحدها: قوله لفتيانه: {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: ٦٢]، فإنه تسبَّب بذلك إلى رجوعهم،


(١) في «بيان الدليل» (ص ٢٠٥ وما بعدها).